مؤخرًا؛ كان الاعتقاد السائد لدّي ولدّى الكثير من الناس
أن من أهم أسباب ما وصلنا إلية من حال مُزري ووضع مأساوي ، هو بسبب "الجهل"
الذي كان يُهيمن على شريحة واسعة من تعداد اليمنيين ، وظلّ هذا الاعتقاد سائد لدي كما
ظل أيضا سائد لدى مُعظم المواطنين الذين كانوا يعتقدون ذلك لفترة طويلة من الزمن.
ولكن مؤخرًا وعندما كبرت قليلاً، وتحديدًا عندما تعرفت
على الكثير من الناس أصحاب المؤهلات العلمية المتقدمة (المتنورين) خصوصًا عندما أتاح
لنا مخترع الفيس بوك الأستاذ "مارك" بالتسجيل في هذا العالم الوهمّي الذي
أصبح سوق كبير لتبادل الخبرات ومحل تواصل بين كافة الناس بمختلف مستوياتهم العلمية
وتوجهاتهم ,, عندها بدأت بمتابعة والاختلاط بالشريحة المتعلمة، تلك التي كانت في نظري
ونظر غيري هي الأمل الوحيد لهذه الأمة والتي بواسطتها سنستطيع الخروج من الظلمات إلى
النور وبفضلها سنستطيع تنفس الصعداء , ولكن سرعان ما خاب ظني وأصبت بالخيبة الشديدة
وذلك عندما رأيت إن منطق هذه الشريحة المتنورة والمتسلحة بالعلم يشبه تمامًا تلك الشريحة
التي كانت في نظري سبب لما وصلنا إلية من حال مع اختلاف بسيط في الطريقة والأسلوب،
بل أنها أشد خبث وقذارة ومن مختلف الشرائح, وذلك من خلال ما ينشرونه في صفحاتهم الإلكترونية
التي تتزين غالبًا بتلك الأخبار والشائعات ولغة الكراهية والأفكار الهدّامة المنشورة
في صفحاتهم بإتقان وبصورة احترافية كبيرة تجعلها سريعة التقبل لدى عقول المتصفحين وأكثر
أقناع لهم (إلا من رحم ربي) ، مما يجعل المتصفح العادي يتقبل لأفكاره لمجرد فقط مشاهدته
لمؤهلات هذا الشخص الناشر لهذه الأطروحات الغوغائية، التي تزيد من ثقته به والتي لا
تزيد في الأمر إلا سوءً وتعقيدًا ، الأمر الذي جعلني أتيقن بأني قد ظلمت شريحة
"الجهلة" (الذين لم يكملون تعليمهم) لأنها أقل خطورة من تلك الشريحة التي
كانت تمثل بالنسبة لي حبل النجاة وبصيص الأمل الذي من خلالها سيكون وضعنا أفضل .
أن خطر المتعلمين والمتنورين أصبح أكبر بكثير من خطر
اي فئة أخرى ، لأنه باختصار تستطيع التأثير على جميع الشرائح والمكونات الأخرى وذلك
من خلال طرحها للمواضيع بطريقة سلاسة وجذابة، بعكس شريحة "الأميين" التي
يقتصر خطرها على محيط معين فقط، بينما "المتنورين" يمتد خطرهم ليصل إلى أفاق
بعيدة يصعب على "الجاهل" أو الأمي أن يصل أليها .
إذًا أين هي المشكلة , طالما وأن الجميع -على حد سواء-
يمتلكون تلك المعاول الهدامة ويعملون على خط واحد في تخريب هذه البلاد !؟
تكمن المشكلة في طبيعة البشر وما يكنوه في داخل أعماقهم
، وليس كما كنا نتصوره سابقًا بان مشكلة بلادنا تكمن في عدم وجود المتعلمين والمتنورين
لان ليس شرطً بأن يكونوا "المتعلمين" جميعًا "صالحين" , وفي المقابل
أيضًا ليس كل "الأميين" جميعهم "غير صالحين" , فمثلاً (كلاشنكوف)
كان مُتعلمًا ذكيًا، ولكنه أستخدم ذكائه في أخترع "البندقية" التي يتحارب
بها سكان الأرض الآن.
وللحديث عن الحل .. فالحل موجود في داخل أعماق الجميع
سواء كانوا من شريحة "المتعلمين" أو "الأميين" وليس مُقتصرًا على
فئة معينة بحد ذاتها , لأن من يريد الخير لهذه البلاد سيستطيع الوصول إلية حتى ولو
كان ليس متعلمً , وهذا ما تؤيده هذه الآية الكريمة قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ
مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) , من يريد التغيير فليبدأ بنفسه
أولاً وليحاول ان يكون كما يريد هو وليس كما يريد منه حزبه او جماعته، وعليه أن يتحرر
من قيود أفكار المثقفين النرجسية التي تهدف إلى مصلحة أنفسهم من خلال تجنيد غيرهم
للوصل إلى أهدافهم الغير مشروعة , وليعمل كلاً منا بما يراه مناسبًا هو، لا بما يراه
له رئيس حزبه وجماعته، حتى ولو كانوا من ذوي المؤهلات العليا وأصحاب الشهادات ، وذلك
لان الفطرة السليمة التي موجودة لدى الجميع هي من سترشدنا إلى عمل الصواب دون الحاجة
إلى أرشاد أو تعليم من إي احد.
وهذه الدعوة ليس المقصود منها أن يتخلى كل شخص منا من
جميع الأحزاب أو الانتماءات , بل المقصود منها التخلي من بعض أفكار تلك الأحزاب والجماعات
التي لا تتناسب مع ما يمليه عليك ضميرك وفطرتك السليمة، وفي نفس الوقت فأن جميع ما
سبق ليس دعوه من أجل ترك العلم والتعليم أو التشجيع على الاستمرار في "الجهل"
وتفشي الأمية وعدم التعلم ,, لا بالعكس تمامًا، هدفي هو دفع الجميع على حد سواء إلى
التعلم والنهوض من أجل قلب الموازين وصنع مستقبل أفضل، من خلال البدا بتغيّر أنفسنا
من داخل أعماقنا دون الركون الى أشخاص معيّنين بحد ذاتهم -المتعلمين- لكي يقومون
لنا بذلك، لان -في أغلب الأحيان- قد يخيب ظننا في من كنا ننتظر منهم أن يمنحونا الأشياء
الايجابية وهم غارقون في الأعمال السلبية، وأن نبدأ نحن بالتغيّر والانطلاق باتجاه
التطوير دون الركون على أحد .
0 التعليقات:
إرسال تعليق