أين ديوان عبدالرحيم البرعي ومراسلات أحمد بن علوان؟!
• للكاتب : علي الضبيبي
تنطلق أطقم الحوثي في تهامة وقاع جهران بسرعة الريح، ومن الخطأ استنهاض الجذور المذهبية في مواجهته.
يسوق "الإصلاح" والجماعات السلفية المجتمع اليمني إلى خندق الطائفية. وعندما يحاول الإخوان تعبئة الناس في تعز والحديدة وإب على هذا الأساس فإنهم بذلك يزعزعون السلم الأهلي ويضربونه في الصميم.
سيفشلون... الشافعية نفسها بردائها الصوفي لن تقاتل، لأن معاول الإخوان لا تزال تهشمها. على امتداد تاريخها الطويل لم تتعرض الشافعية وتراثها الصوفي للتنكيل والتشويه كما تعرضت له في عصر الوهابية. وإذا كانت "الظاهرة الحوثية" تتكئ على تاريخ جبار يقع الهاشميون في القلب منه، فإن الأسر الصوفية في عموم "اليمن الأسفل" ستلتزم الحياد؛ وتلك طريقة مُثلى.
يتقدم الحوثي اليوم كمخلص، من قبضة "الوهبنة"، ليس للزيدية فقط ولكن للصوفية بدرجة أساسية، الصوفية التي بالكاد تلقى فقيهاً شافعياً يدرس الأطفال "الزُّبَد"، "علم البديع"، و"متن أبي شجاع". لقد أجهز "الإخوان" على هذا التراث العظيم، وانطفأ السراج، سراج السمرات والمناسبات الدينية في تهامة وجبال برع ووصابين والحجرية وريمة، بفعل الآلة الفتاكة "لدبابات" محمد بن عبد الوهاب العمياء، التي قصفت حتى "قُنوت" الفجر عند الشافعية. أين ديوان عبدالرحيم البرعي؟! وأين مراسلات أحمد ابن علوان؟! إنها تباع فقط في مكتبة الإمام الهادي بصنعاء القديمة.
يعتقد "الإخوان المسلمون" أنهم شيء وحركة ابن عبدالوهاب شيء آخر. هم بذلك لا يفهمون؛ لأن الدبابات العمياء لا تستطيع قراءة تاريخ صُنعها. فجيوش "الوهابية" الأولى التي اجتاحت السهل التهامي، مطلع القرن التاسع عشر، بقيادة فيصل الأول، دكت مراقد الأولياء في الحجاز وتهامة، وسوّت قبابهم بالأرض.
أحرقت الوهابية آلاف المخطوطات والكتب في مكة والمدينة وسائر مدن وقرى الحجاز، وفي تهامة. وعلى طول طريقها آتية كالطوفان على ظهور الجمال من شمال نجد إلى الحجاز إلى اليمن (تهامة)،
كانت جيوش الوهابية تقطع الأشجار ذات الجذوع الضخمة والقديمة التي قيل إن النبي محمد أو بعض أصحابه جلسوا تحتها. أجهزوا عليها بالفؤوس حتى لا تعبد من دون الله!
كان فقهاء الصوفية يقاتلون الاستعمار الحديث في السودان واليمن والجزائر وليبيا وتونس وبلاد الشام. وكانت الوهابية كحركة ناشئة تغدر بهم من الخلف وتحرق مساجدهم في اليمن والحجاز وعلى طول وعرض الجزيرة.
تصطف الوهابية اليوم في جبهة واحدة لمنازلة "الحوثي": "الإخوان"، السلفيون، "القاعدة"؛ في حين تلتزم الزيدية والصوفية الحياد؛ لأن اليمن الزيدية – الشافعية لم تتقاتل في يوم من الأيام على أساس مذهبي.
حكمت أروى بنت أحمد الصليحي اليمن بـ "الشوافع"، وقاتل عبدالله بن حمزة فرقة "المطرفية" الزيدية بالزيدية وبالشافعية معاً، وعندما ضعفت الدولة القاسمية بعد رحيل المتوكل على الله إسماعيل، وانكفأ امتداداها من الشرق والشمال إلى الوسط، جاء محمد بن أحمد بن الحسن، الملقب بـ "صاحب المواهب"، من "الحجرية" بجيش شافعي يتألف من أبناء تعز وتهامة وإب، وانتزع السلطة وهي تترنح، من قبضة ثلاثة أئمة هم أعمامه وأبناء عمومته.
وعندما أطاحت الزيدية الدينية بدولة الإمام يحيى عام 48، ونصّبت عبدالله بن الوزير إماماً استعادها الإمام أحمد بالزيدية القبلية، وأرسل قضاة صنعاء مكتفين في الأغلال إلى حجة، ثم ترك صنعاء وراءه وقفل عائداً إلى تعز الشافعية ليحتمي بها؛ لأنه لم يأمن البقاء في صنعاء، التي تمردت عليه بعد سبع سنوات بقيادة أخيه "سيف الإسلام" العباس، الذي أعلن التحاقه بشقيقه عبدالله وحركة الثلايا (1955).
خلاصة القول: الصراع على السلطة في التاريخ هو شأن سياسي بحت، ولا علاقة له بالطائفية والدين والمذاهب، التي يتحلق حولها المهزومون دائماً ويحتمون بها.
الظاهرة الحوثية اليوم في أوج زخمها. هي المعنويات نفسها التي نفخت "الإخوان" بعد حرب صيف 94 التي خاضوها كـ"مجاهدين"، كانوا ينهبون السلاح، ثم عادوا منتصرين كما عادت "عدن" إلى حضيرة الإسلام! بحسب زعمهم.
أطقم الحوثي ومدرعاته مسرعة، والإصلاح يعبئ الناس في الجنوب على أساس جهوي، وفي تهامة وتعز وإب والبيضاء على أساس مذهبي، بينما الدولة والمؤتمريون وبقية الأحزاب في عموم البلاد يواصلون متعة "التفرج".
هذا عبث.. وهو أمرٌ لا بد منه؛ لأنه يجري في سياق إقليمي ودولي؛ لكنه في الأخير سيفضي إلى نهايات وطنية.
أنا متفائل، رغم خطورة الأوضاع؛ لأن خطط التمزيق والتفكيك والأقلمة التي كانت تصاغ داخل أروقة "موفنبيك"، احترقت في يد الطباخ.
اليمن تطورت منذ خروج العثمانيين حتى اليوم، والحالة اليمنية التي نراها، رغم السلاح ورغم كل شيء، تختلف عن أي بلدٍ عربي آخر، بصرف النظر عن فارق الزمن وتطور الدولة؛ لكن السياسة في اليمن فنْ(!)، والحركة الحوثية التي انطلقت من جبال مرّان ودكت الفرع الظالم داخل الدولة اليمنية الناشئة، لم تخُض حتى اللحظة أي حرب خارج مجالها الاجتماعي.
ستكون الحركة الحوثية "طائفية" فقط إذا حاولت أن تنقض على الدولة وأن تكون بديلاً عنها. عبد الملك الحوثي حتى اليوم لم يقل إن "أنصار الله" هم الدولة، ولم يزعم أنه إمام أو ملك، رغم أنه يسوق الدبابات والمدرعات إلى صعدة، كما فعل عبد الله بن حسين الأحمر قبل خمسين عاماً عندما كان ينهب سلاح دولة الأئمة من قصور وتباب صنعاء إلى جبال حاشد.
تختلف الحالة اليمنية عن العراق؛ غير أن "أنصار الله" إذ ينصبون الشعار على الألواح الخشبية لتتوقف السيارات أمام مسلحيهم في جولات وشوارع المدن فإنهم يظهرون من الناحية الشكلية كما لو أنهم نسخة مقابلة من إمارة "زنجبار".
لا يجوز أن نقارن "الحوثية" بـ "أنصار الشريعة". "أنصار الله" الحوثيون يحرسون البنوك ويؤمنون السفارات ولا يرتدون الأحزمة الناسفة؛ غير أن نفسية مجتمع المدينة ستتغير يوماً بعد يوم، وستضيق من السلاح والمظاهر "المليشاوية" وأصوات الرصاص.
الحوثي اليوم مطالب بأن يلتحم بالفعاليات المدنية، وأن يناضل مدنياً من أجل تعزيز سلطة القانون واستقلالية المؤسسات، وتنظيم دور العبادة، وصياغة مفاهيم جديدة للتعايش، وتعزيز دور القطاع العام، والدفاع عن الفئات الضعيفة، والدفع باتجاه إصلاح قطاع التربية والتعليم، والصحة... لأن قوة ومستقبل أي حركة سياسية مرهون بمدى نضالها من أجل الناس العاديين ولصالح فكرة الدولة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق